والعجيب أنه بعد بحث طويل لم أجد أي ذكر لهذا الشعر ولا للرد عليه , فهل لم يكتشف هذا الشعر إلا هؤلاء العلوج في هذا القرن ليفاجئونا بأن القران قد اقتبس أبياتا من شعر إمرؤ القيس , فيسقط في يدنا ونسلم لهؤلاء الجهابذة بأن كتابنا قد أصابه شئ مما أصاب كتابهم ونصبح كما يقال بمصر ( بالهوا سوا)
ومن عجب القول أن تكن تلك الأبيات لإمرؤ القيس ويظهر رسول الله في قريش التي هي أفصح العرب وأحفظهم لشعر الشعراء حتى أنهم يضعون أشهر سبع قصائد مطولات على جدران الكعبة وتسمى المعلقات , ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسفه دينهم , ويكسر أصنامهم , ويمحي باطلهم , ولا يخرج منهم رجل حافظ للشعر , واحد فقط , ويقل له أنت يا محمد نقلت تلك الأبيات من إمرؤ القيس , ثم يأت سفيه بعد ألف وخمسمائة سنة ليقل لنا خذوا تلك أبيات إمرؤ القيس التي نقلها نبيكم بقرآنكم .
وأكاد أجزم أن هؤلاء السفهاء الذين يرددون هذا الكلام , لم يقرأوا في حياتهم شيئاً من أشعار إمرؤ القيس أو غيره ولكن مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً , يلقي إليهم رهبانهم وقساوستهم الكلام فيرددونه كالببغاوات بلا فهم ولا وعلم ولا وعي .
وهل هذا الشعر السلس السهل الغير موزون في بعض أبياته شعراً جاهليا ؟ وإذا قارنا بين شعر إمرؤ القيس وتلك الأبيات هل نجد أي وجه شبه بينهما ؟ وإليك شيئا مما قاله امرؤ القيس لتر الفارق في النظم واللفظ وقوة العبارة :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل*********بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها*********لما نسجتها من جنوب وشمأل
ترى بعر الآرام في عرصاتها*********وقيعانها كأنه حب فلفل
كأني غداة البين يوم تحملوا********* لدى سمرات الحي ناقف حنظل
وقوفا بها صحبي علي مطيهم*********يقولون لا تهلك أسى وتجمل
وهل يقارن ذاك الشعر الركيك بقول امرؤ القيس
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى*********بنا بطن خبت ذي خفاف عقنقل
وقوله :
رفعن حوايا واقتعدن قعائدا *********وحففن من حوك العراق المنمق
ثم قوله في النص المدعى (مر يوم العيد في زينته) أليس يوم العيد إحتفالاً إسلامياً ؟ فكيف يكن هذا كلام إمرؤ القيس الجاهلي ويذكر فيه يوم العيد وهو من مات قبل مولد نبينا صلى الله عليه وسلم بثلاثين عام أو أكثر والنبي بعث وعمره أربعين سنة أي أن تلك الأبيات بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم ما يزيد عن سبعين عاماً .
وعلى افتراض انه شعر جاهلي فهو منحول , نسب إلى إمرؤ القيس لأن حفاظ شعر إمرؤ القيس لم يذكروه , فما هو الشعر المنحول ؟ النحل في اللغة كما ذكر في لسان العرب وانْتَحَل فلانٌ شِعْر فلانٍ أَو قالَ فلانٍ إِذا ادّعاه أَنه قائلُه. وتَنَحَّلَه: ادَّعاه وهو لغيره. وقال ابن هَرْمة:
ولم أَتَنَحَّلِ الأَشعارَ فيها*********ولم تُعْجِزْنيَ المِدَحُ الجِيادُ
ويقال: نُحِل الشاعرُ قصيدة إِذا نُسِبَت إِليه وهي من قِيلِ غيره؛ وقال الأَعشى في الانتحال:
فكيْفَ أَنا وانتِحالي القَوا*********فِيَ، بَعدَ المَشِيب، كفَى ذاك عارا !
وقَيَّدَني الشِّعْرُ في بيتِه*********كما قَيَّد الأُسُراتُ الحِمارا !
وفي مختار الصحاح و نَحَلَهُ القول من باب قطع أي أضاف إليه قولا قاله غيره وادَّعاه عليه و انْتَحَل فُلان شِعْر غيره أو قول غيره إذا ادَّعاه لنفسه و تَنَحّل مثله وفُلان يَنْتَحِلُ مذهب كذا وقبيلة كذا إذا انتسب إليه
وفي مفردات الفاظ القران للاصفهاني : والانتحال: ادعاء الشيء وتناوله، ومنه يقال: فلان ينتحل الشعر.
وقضية نحل الشعر لمشاهير الشعراء قضية مشهورة معروفة في الأدب العربي يعرفها كل باحث , فليثبت لنا هؤلاء الجهلة أن تلك الأبيات لإمرؤ القيس الجاهلي أولاً , ثم نناقشهم فيها بعد ذلك وختاماً نقل أن بحثنا هذا ليس دفاعاً عن إمرؤ القيس بل هو ذباً عن دين الله
وختاماً نقل لهؤلاء الجهلة أن إمرؤ القيس سيكن معكم حيث ستذهبون , وستلاقونه في جهنم , إن لم تسلموا لله وحده قبل موتكم , وحينما تقابلونه سيمكنكم معرفة أن تلك الأبيات ليست من شعره .
كلمة منحول تعني أن هناك من قاله ونسبه لغير صاحبه، وقد زعم طه حسين أن الشعر الجاهلي المنقول إلينا كله منحول، أي كتب في العصر العباسي ونسب لشعراء الجاهلية. وقد نفى في كتابه ( في الشعر الجاهلي ) كل ما ينسب الى امرء القيس من شعر الا قصيدتين هما :
الأولى : فــقــا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
والثانية : ألا أنعم صباحاً أيـهـــا الطلل البالي
وقوله لا يخلو في بعض الصور من صحة ، إذ ثمة كثير من الأبيات المنسوبة للجاهليين منحولة ، ومنها هذا البيت بدليل عدم وجوده في ديوان امرىء القيس الذي جمعه المحققون. لأنه منحول.
ثم نقول لهم جدلاً إذا صح استدلالكم بتماثل بعض الآيات القرآنية مع شعر امرئ القيس فإن هذا التماثل في بعض الألفاظ لا يعني النقل على كل حال ، ووقوع التماثل أمرطبيعي إذ جاء القرآن بما تعهده العرب في كلامها من أمثلة و استعارات و سوى ذلك من ضروب البلاغة. ثم أن الشعر المنسوب لامرئ القيس هو المنقول عن القرآن كما قد سبق بيانه .
ويقول الدكتور عبدالله الفقية من مركز الفتوى في الشبكة الاسلامية بما معناه :
ويكفي في الرد على مثل هذه السفسطات والتفاهات ، سقوطها وانحطاطها عند من لديه أدنى نظر :
فالآيات من سورة القمر لا تتفق أصلاً مع موازين الشعر العربي حتى يقال إنهما من الشعر مما يدلك على جهل واضعي هذه الشبهة إن صح تسميتها شبهة.
ومنها أن السورة مكية وقد تلاها النبي صلى الله عليه وسلم على مشركي قريش وهم في ذلك الوقت من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرص الناس على العثور على ما يشكك في صدق ما يقوله من أن القرآن كلام الله تعالى منزل من عنده ليس من كلام البشر. وهم نقلة الشعر ورواته ومع ذلك لم يدعوا هذا الادعاء ولا قريباً منه، بل أقروا وأقر غيرهم من فصحاء العرب وبلغائهم أن القرآن الكريم ليس من وضع البشر ولا من تأليفهم، بل أقروا بالعجز عن الإتيان بسورة من مثله مع تحدي القرآن لهم دائماً. إلى غير ذلك من الردود الواضحة.
والله ولي التوفيق.